الصدقة
إن قرأت فلنفسك أولاً
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لاتحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هاهنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ مسلم من الشرّ أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه".
عن جابر بن عبد الله أن رسول اللهصلى الله عليه وسلمقال: " اتّقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشُّحّ، فإنّ الشُّحّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهمـ واستحلّوا محارمهم".
يحرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعميق تربية النفوس على البذل والعطاء، حتى ترتقي إلى درجة الربانية ولا يكون للمادة عليها أي سلطان فيقول في الحديث الذي رواه أبو داود (من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهرله ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له حتى ظننا أنه لا حق لأحد منا في الفضل).
يقول الله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًّا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وقال تعالى: (آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) وقال تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له وله أجر كريم) وفي سورة البقرة (فيضاعفه له أضعافًا كثيرة) وقال تعالى (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون).
وقال تعالى (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى) ويخبرنا عن أهل النار وسبب حتفهم (ما سلكم في صقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين).
في سنن الترمذي قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يأخذ الصدقة بيمينه فَيُربِّيها لأحدكم كما يُرَبِّي أحدكم مهره حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد) (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار)
وفي سنن ابن ماجه عن جابر بن عبد اللهِ قال خطبَنا رسول اللَّه صلَّى اللَّهُ عليه وسلم فقَال (يا أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تُشْغَلُوا وَصِلُوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له وكثرة الصدقة في السر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتجبروا)
وفي الحديث القدسي أن الله ـ تعالى ـ يقول: (يا ابن آدم أنفق ينفق عليك) وقال عليه الصلاة والسلام: (ما طلعت الشمس إلا وعلى جنبيها ملكان يقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا). ولا شك أن دعاء الملائكة مستجاب،
إن السخي قريب من الله، قريب من الناس، بعيد عن النار، والبخيل بعيد عن الله، بعيد عن الناس، قريب من النار، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (اتق النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجد فبكلمة طيبة)، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من أطعم أخاه حتى يشبعه، وسقاه حتى يرويه باعده الله من النار سبعة خنادق ما بين كل خندق خمسائة عام، واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول)
من كان عنده فضل زادفليعُد به على من لا زاد له".. كانت هذه دعوة انطلقت من المبعوث رحمة للعالمين،النبي صلى الله عليه وسلم، وروى الحديث الإمام أبو داود بسند صحيح.
وكان له صلىالله عليه وسلم -فيما نحسب- ثلاثة أهداف من وراء هذه الدعوة، وهي:
1- سدالحاجات الضرورية لأفراد الأمة، وعلى رأسها الطعام.
2- الحفاظ على طابع التراحموالعطاء والتماسك الاقتصادي والاجتماعي لأبناء أمته.
3- تقديم قاعدة راسخةللنمو الاقتصادي في الدولة الإسلامية.
لماذا الطعام؟ ألا يكفي المال؟
النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قد اهتم اهتمامًا كبيرًا بقضية التصدقبالطعام، جنبًا إلى جنب مع التصدق بالمال؛
وروى الإمام أحمد , والطبراني بإسناد حسن , والحاكم , وقال صحيح على شرطهما عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها , وباطنها من ظاهرها , فقال أبو مالك الأشعري : لمن هي يا رسول الله ؟ قال : لمن أطاب الكلام , وأطعم الطعام , وبات قائما والناس نيام } [ ص: 497 ] وفي حديث عبد الله بن سلام عند الترمذي وصححه وابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين أنه أول ما سمع من كلامه صلى الله عليه وسلم أن قال : { أيها الناس أفشوا السلام , وأطعموا الطعام , وصلوا الأرحام , وصلوا بالليل والناس نيام , تدخلوا الجنة بسلام } , .
، وأن الأصل في زكاة الفطر أن تخرج زادًا لا مالا، وأن صدقة يوم الحج الأكبرثلث الأضحية لا ثمنها، إضافة لتحديد كفارة اليمين أو الظهار في الإطعام في المرتبةالأولى.
وهنا نعيد السؤال: لماذا الاهتمام بإطعام الطعام؟
1- قد تكون من أولويات الفقير توجيه ما يحصل عليه من ماللمتطلبات يراها مهمة ويؤثر أن يبيت جائعًا، وهنا حرص الإسلام على سد هذه الحاجةالملحة، فاتحًا الباب أمام سبل التكافل الأخرى لسد حاجاتها المالية.
2- قد يكونرب العائلة الفقيرة ممن يجور على أهل بيته باختصاص المال لنفسه بخلا، أو موجهًاإياه في غير مُستحق أو مُحَرَّم، وهنا نجد أن الأفضل -حماية له ولأسرته- أن يُعطَىطعامًا لا مالا.
3- إن بذل الطعام أكرم للفقير من بذل المال؛ حيث قد يرى الفقيرفي إعطاء المال له إهانة، وهذا الصنف أشار إليه رب العزة بقوله: {يَحْسَبُهُمُالجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ}.
4- يعد الطعام من الحاجات الأساسيةللإنسان التي لا يمكن العيش بدونها، ولا يصبر عليها، ومن ثم فعندما يفقدها سيسعىللحصول عليها بصور تمس كرامته، مثل السرقة، وذل السؤال، وكلا الأمرين ترفَّع الشرعبالفقير عنه، خصوصًا عندما كفل له اهتمام أمة الإسلام به.
قال تعالى
"إِنمَا الصدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السبِيلِ فَرِيضَةً منَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ".
"ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والنبيين وءاتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمسكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب"
"يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم"
"قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين"
"ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا"